فتاوى الدكتور امجد علي سعادة

حكم التعقيم (تحديد النسل المؤقت والدائم)

السؤال : ما حكم الشرع في التعقيم (تحديد النسل المؤقت والدائم) و ما يتعلق به من مستجدات معاصرة ؟

الجواب

الحمد لله رب العالمين ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله ، صلى الله عليه و على آله و صحبه أجمعين ، و بعد :

حث الإسلام على الإنجاب ، و قد ورد عن النبي صلى الله عليه و سلم عدة أحاديث في هذا الشأن ، منها قوله عليه الصلاة و السلام : (تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ ) رواه أبو داود و أحمد بإسناد صحيح ، و قوله عليه الصلاة و السلام : (تناكحوا تكثروا ، فإني أباهي بكم الامم يوم القيامة ) رواه عبد الرزاق في مصنفه وفي الحديث ضعف.

و نهى الإسلام عن الأسباب التي تؤثر على التناسل و التكاثر ، فحرم وأد البنات ، قال الله تعالى : {واذا المؤودة سئلت * بأي ذنب قتلت}التكوير: ٨ – ٩ ،

و حرم التبتل و الرهبنة و هي ترك الزواج ، قال تعالى:{ ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم الابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها} الحديد: ٢٧ ،و عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا فَقَالُوا وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ أَحَدُهُمْ أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ : ( أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي ) متفق عليه .

كما حرم التعقيم و هو ما كان يعرف بالخصاء سواء فُعِل لقطع الشهوة أو لعدم الإنجاب ، فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : ( رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلَ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لَاخْتَصَيْنَا ) متفق عليه .

 واتفق العلماء المعاصرون على حرمة تحديد النسل، و التعقيم أولى بالحكم لأن التحديد فيه إنجاب لعدد معين ، مع إمكانية أن يعاد إلى الإنجاب في المستقبل ، و التعقيم المؤقت يشبه التحديد فله حكمه و هو الحرمة ، أما التعقيم الدائم فهو شر من المؤقت و من التحديد فيكون محرما قطعا .

و بالرغم من أن الأصل في التعقيم أنه محرم إلا أنه يباح في حالات ضيقة:

أ-في حالة وجود الأمراض الوراثية في بعض حالات الزواج ، فهنا يباح التعقيم للوالدين منعا من إنجابهما لأبناء مصابين بهذه الأمراض ، و يشترط لإباحة التعقيم في هذه الحالة:

1- أن يكون المرض وراثيا يحمل مع الجينات

2- أن يكون المرض معديا ضارا

3- أن تكون نسبة احتمال الإصابة بالمرض عالية جدا،كأن يكون كلا الزوجين حاملا للمرض ، ناقلا له ، أو يكون الجين سائدا عند الزوجين ، أو سائدا عند أحدهما متنحيا عند الآخر .

ب- يجوز التعقيم أيضا إن فُعِل لأجل صحة الأم ، إن قرر الطب أن حملها سيؤدي إلى وفاتها ، كأن تكون مصابة بالفشل الكلوي ، أو بعض أمراض القلب .

ج-يجوز التعقيم إن كان من أجل حماية المختلين عقليا من الاعتداءات عليهم وذلك في حالات ضيقة يفتى بها على حدة بعد النظر في ظروفها.

 و الله أعلم .

 د. أمجد علي سعادة

 كلية الشريعة- الجامعة الاردنية

كتب أُخرى