عورة المرأة ما يكشف منها وما يستر ، عورة المرأة على الرجال المحارم ، عورة المرأة على المرأة المسلمة ، عروة المرأة على النساء غير المسلمات.
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
اولا : اقوال الفقهاء.
اتفق الفقهاء على ان ستر العورة واجب ، واتفقوا على وجوب ستر الجسد كله عن الرجال الاجانب مع خلافهم في الوجه والكفين ، واختلفوا في حد العورة باختلاف الاشخاص على التفصيل الاتي:
1. عورة المرأة أمام الرجال المحارم:
قال المالكية والحنابلة عورتها ما عدا الوجه والأطراف ( الرأس والعنق ) . وضبط الحنابلة ذلك بأنه ما يستتر غالبا وهو ما عدا الوجه والرأس والرقبة واليدين والقدمين والساقين (المغني 6 / 554 ، وكشاف القناع 5 / 11 ، الدسوقي 1 / 214).
وقال الحنفية : مثل قول المالكية والحنابلة اضافة الى الصدر فيجوز لديهم النظر اليه أيضا من قبل المحارم( حاشية ابن عابدين 1 / 271)
وقال الشافعية : عورتها امام المحارم ما بين السرة الى الركبة ، كما أن عورة المرأة التي يجب سترها بالنسبة لغيرها من النساء هي ما بين السرة والركبة .( مغني المحتاج 1 / 185 ، 3 / 131).
الراجح: هو قول الحنابلة وهو ما يظهر في الخدمة غالبا لما يأتي في التأصيل الشرعي ان شاء الله.
2. عورة المرأة امام النساء المسلمات (امام المرأة المسلمة).
ذهب الفقهاء إلى أن عورة المرأة بالنسبة للمرأة هي كعورة الرجل إلى الرجل ، أي ما بين السرة والركبة (بدائع الصنائع 6 / 2961 ، تبيين الحقائق 6 / 18 ، الشرح الصغير 1 / 288 ، مواهب الجليل 1 / 498 ، 499 ، مغني المحتاج 3 / 13 ، المغني 7 / 105).
والراجح : ان عورة المرأة امام المرأة المسلمة هي كعورتها امام الرجال المحارم لما يأتي في التأصيل الشرعي ان شاء الله.
3. عورة المرأة امام النساء غير المسلمات (امام المرأة الكافرة).
ذهب جمهور الفقهاء (من الحنفية والمالكية وهو الأصح عند الشافعية) إلى أن المرأة الأجنبية الكافرة كالرجل الأجنبي بالنسبة للمسلمة ، فلا يجوز أن تنظر إلى بدنها الا ما يباح للرجال الاجانب للحاجة، ويجوز في حالة الضرورة كالعلاج والولادة ونحوه ، لقوله تعالى : { ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن } (سورة النور / 31 ). أي النساء المسلمات فلو جاز نظر المرأة الكافرة لما بقي للتخصيص فائدة ، وقد صح عن عمر رضي الله عنه الأمر بمنع الكتابيات من دخول الحمام مع المسلمات.
والوجه الاخر عند الشافعية أنه يجوز أن ترى الكافرة من المسلمة ما يبدو منها عند المهنة (اي كما سبق في قول الحنابلة في عورة المرأة امام المحارم)، وفي رأي آخر عندهم أنه يجوز أن ترى منها ما تراه المسلمة منها وذلك لاتحاد الجنس كالرجال (مغني المحتاج 3 / 131 وما بعدها ).
وعن الامام احمد رحمه الله ثلاث روايات : (المغني 7 / 105 ، 106)
الاولى : ان العورة امام المسلمة والكافرة سواء (من السرة الى الركبة)
الثانية: لا تنظر الكافرة إلى الفرج من المسلمة ولا تكون قابلة لها .
الثالثة: أن المسلمة لا تكشف قناعها عند الذمية ولا تدخل معها الحمام (اي الحمام العام الذي يغتسل فيه، الذي يعرف الان بالحمام الشامي او التركي) .
الراجح : ان عورة المرأة امام غير المسلمة انها يحتاط فيها اكثر منها بين المسلمات فلو اكتفي بالشعر والساعد وشئ يسير من الساق مع امن نقل الوصف او شهوة او غيره ، والا فتكون كالرجال الاجانب . لما يأتي في التأصيل الشرعي ان شاء الله.
ثانيا : التأصيل الفقهي
ان الناظر في هذه المسألة يجد ان الفقهاء لهم فيها اقوال يستشعر القارئ لكثير منها انها لا تستند الى دليل صريح ، وان ترجيحات بعضهم قد لا يسعفها نظر ، والمتأخرون ينقلون عن المتقدمين نقلا ولم اقف على تأصيل لكامل المسألة فيما اطلعت عليه ولذلك كان لا بد من تقديم محاولة لتأصيل المسألة وفتح الباب لاعادة النظر فيها على نحو يستند فيه الى الدليل الصحيح والنظر المتفق مع اصول الفقه ومدارك الاستنباط.
الاصل العام لهذه المسألة:
- أن جسم المرأة جميعه عورة ، ويطلب من المرأة ستر جسمها، ومن الغير عدم النظر الا ان يكون غير ارادي (فجأة) او لحاجة
- ان وظيفة الثياب هي ستر العورة والزينة .
- يمنع النظر الى النساء الا في احدى الحالات الاتية:
- ان يكون لحاجة (رفعا للحرج) كاظهار ما يظهر في الخدمة في البيت امام الاخوة او الاب مثلا او عند الجلوس مع بنات جنسها من النساء ، او للتعرف اليها في معاملة بيع او شراء …الخ
- ضرورة كالعلاج او الاسعاف او الانقاذ
- اذن شرعي كالاذن للزوج او السيد او العفو في نظر الفجأة او ما اجازة الله من ابداء الزينة في اية النور او النظر الى المخطوبة ، او ما استثناه الشرع في اظهار الوجه والكفين عند من صحح حديث اسماء : ان المرأة اذا بلغت المحيض لم يصلح ان يرى منها الا وجهها وكفيها. ونحوه
- الادلة:
الدليل الاول : قال تعالى :” قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” (31) [النور : 30 ، 31].
قوله تعالى: ” وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ “(النور31)، فان امر الله سبحانه الناس بغض البصر ومنعه من الوقوع على الغير الا لحاجة ، فكل نظر بلا حاجة محرم، لذلك لما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة قال :” اصرف بصرك“، ولذلك نهى رسول الله عن الجلوس في الطرقات فقال عليه السلام :” اياكم والجلوس في الطرقات” ثم رخص رسول الله لهم ذلك بشرط غض البصر، فدل ذلك على ان النظر حتى للمرأة مستورة الجسم يكون لحاجة او لمعنى من الحالات التي اجاز الشرع النظر لاجلها.
قوله تعالى:“وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا …. وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ ….“(النور31) فهذا يدل على ان الاصل عدم ابداء الزينة ، والاستثناء لا يكون الا من اصل ، والاستثناء هنا مالا بد من ظهوره قيل هو الوجه والكفين وقيل هو ذات الثياب لان الثياب من مقاصدها انها زينة في ذاتها ولانها تستر السوءة لذلك قال تعالى :” يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا” [الأعراف : 26] ،وقال تعالى :” يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا” [الأعراف : 27].
ماهي الزينة المقصودة في الاية الكريمة؟
لم يقصد الشرع ذات الزينة كذات العقد وذات الاسورة وذات القرط (الحلق الذي يوضع في الاذن) وذات الخلخال الذي يوضع في ساق الرِّجل، لان هذه الاشياء مباحة في ذاتها وانما قصد الشرع مكانها فقصد العنق والاذن والشعر والساعد والساق كما ذكر الزيلعي في تبيين الحقائق :” والمراد بالزينة مواضعها لا الزينة نفسها لأن النظر إلى أصل الزينة مباح مطلقا ، فالرأس موضع التاج ، والوجه موضع الكحل ، والعنق والصدر موضعا القلادة والأذن موضع القرط ، والعضد موضع الدملوج ، والساعد موضع السوار ، والكف موضع الخاتم ، والساق موضع الخلخال ، والقدم موضع الخضاب ، بخلاف الظهر والبطن والفخذ ؛ لأنها ليست بموضع للزينة “(تبيين الحقائق 6 / 19 ) ، ويؤيد ذلك قوله تعالى في ذات الاية :” وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ” ويفهم من ذلك ان الضرب بالارجل يلفت النظر الى مواطن الزينة الخفية .
ولنا ان نستأنس بما ذكر ابن كثير رحمه الله في سبب نزول هذه الاية وكان سبب نزول هذه الآية ما ذكره مقاتل بن حيَّان قال: بلغنا -والله أعلم -أن جابر بن عبد الله الأنصاري حَدَّث: أن “أسماء بنت مُرْشدَة” كانت في محل لها في بني حارثة، فجعل النساء يدخلن عليها غير مُتَأزّرات فيبدو ما في أرجلهن من الخلاخل، وتبدو صدورهن وذوائبهن، فقالت أسماء: ما أقبح هذا. فأنزل الله: { وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ } الآية.
وخلاصة الاية ان المرأة ينبغي ان لا يظهر منها شيء الا:
أ. مواضع الزينة وهي : الوجه والشعر والرقبة مع النحر والساعد والقدمين والساق .
واما ما عدا ذلك فلا يجوز لاجل ذلك شرع الاستئذان حتى من المحارم والاشخاص المذكورين في ايه (30) من سورة النور، وهو ما امر الله به العبيد والطفال والكبار من الاستئذان قال تعالى:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59) [النور : 58-59]، ولو جاز لهم النظر فوق ذلك لما شرع الاستئذان قال صلى الله عليه وسلم :” إنما جعل الاستئذان من أجل النظر“،
ب. يجوز اظهار الزينة من غير تبرج فقط للاشخاص الذين استثنى النص وهم : الازواج و الاباء وآباء الازواج وان علو والابناء وابناء الازواج و الاخوة و ابناء الاخوة وابناء الاخوات وان نزلوا و النساء المسلمات و العبيد و الخدم الذين لا ميل لهم الى النساء .
ج. لا يجوز اظهار مواطن الزينة المذكورة امام النساء غير المسلمات لانهن غير مذكورات في الاية ، ولانه يفهم من قيد “ أَوْ نِسَائِهِنَّ” الوارد في الاية الكريمة يصبح لا مفهوم له ولا فائدة ، وقد كتب عمر رضي الله عنه إلى أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه:” أنه بلغني أن نساء أهل الذمة يدخلن الحمامات مع نساء المسلمين فامنع من ذلك . وحل دونه فإنه لا يجوز أن ترى الذمية عرية المسلمة” . وقال ابن عباس : “لا يحل للمسلمة أن تراها يهودية أو نصرانية لئلا تصفها لزوجها” ، وهذا الحكم معلل بما ذكره ابن عباس رضي الله عنهما ، فان امن ذلك جاز بقدر الحاجة وبقدر رفع المشقة لان المشركات واليهوديات كن يدخلن على زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يؤمرن بالاحتجاب دونهن ، فمن علم من حالها انها امينة لا تصف للرجال عورات المسلمات جاز اظهار مواطن الزينة عندها والا فلا.
د. ولا يجوز الزيادة على ذلك الا بنص شرعي وذلك نحو:
- جواز ابداء الجسم كاملا حتى الفرج (العورة المغلظة) للازواج ومن يحل له وطؤه من الموالي لقوله تعالى:” وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7)” [المؤمنون : 5 – 8] ولما روى اصحاب السنن في الحديث الصحيح عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال قلت يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر قال” احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك قال: قلت يا رسول الله إذا كان القوم بعضهم في بعض قال: إن استطعت أن لا يرينها أحد فلا يرينها قال قلت يا رسول الله إذا كان أحدنا خاليا قال الله أحق أن يستحيا منه من الناس”، واما من لا يحل له وطؤه من الموالي والاماء فلا يجوز ظهور العورة المغلظه له لقوله عليه السلام : ” إذا أنكح أحدكم عبده أو أجيره فلا ينظرن إلى شيء من عورته ، فإن ما أسفل من سرته إلى ركبتيه من عورته ” وفي النص تحديد لعورة العبد بين السرة والركبة امام سيده ومولاته، وروى البيهقي عن رسول الله انه قال : ” إذا زوج أحدكم عبده أمته أو أجيره فلا ينظرن إلى عورتها ” وقد اطلق النص تحريم النظر الى العورة دون تحديد فترجع الى الاصل وهو جميع الجسد الا مواضع الزينة المستثناة في ايه النور، وبذلك يزول الاستثناء الوارد في سورة المؤمنون ويتقيد الجواز الوارد في السورة بمن يحل وطؤه.
- جواز التخفف من الثياب للنساء الكبيرات اللاتي لا يرجون زواجا قال تعالى :” وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ” [النور : 60]
- جواز ادامة النظر المرة بعد المرة من الخاطب الى مخطوبته والعكس لقوله عليه السلام للمغيرة بن شعبة كما روى اصحاب السنن في الحديث الصحيح انه لما خطب امرأة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:” انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما” فاجاز ادامة النظر ومداومته لاجل المودة رغم ان المخطوبة اجنبية عن الخاطب ما لم يعقد عليها.
- جواز نظر الخاطب من مخطوبته ما يدعوه الى زواجها ويرغبه به، لما جاء في الحديث الصحيح عند اصحاب السنن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ” إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل ” قال – اي جابر – فخطبت جارية فكنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها [ وتزوجها ] فتزوجتها . وهذا الحكم معلل بمقصد فان قصد الخاطب بالنظر ان ينظر الى ما يرغبه في زواج بمخطوبته والتعجيل في ذلك فنظره جائز والا فيرجع الحكم الى الاصل من عدم جواز النظر الا في الحدود المذكورة سابقا.
الدليل الثاني : قوله عليه السلام في الحديث الصحيح عند الترمذي وغيره :” إن المرأة عورة فإذا خرجت إستشرفها الشيطان وأقرب ما تكون من وجه ربها وهي في قعر بيتها”.
فالحديث واضح الدلالة على ان الاصل في المرأة ستر جسمها وان جسمها جميعا عورة ولا يجوز ان تظهر من جسمها الا ما استثنى الشرع مما سبق بيانه.
الدليل الثالث: ما روى احمد و ابن ماجة في الحديث الصحيح عن أبي المليح الهذلي أن نسوة من أهل حمص استأذن على عائشة فقالت لعلكن من اللواتي يدخلن الحمامات سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:” أيما امرأة وضعت ثيابها في غير بيت زوجها فقد هتكت ستر ما بينها وبين الله” وفي رواية ابي داود :” ما من امرأة تخلع ثيابها في غير بيتها إلا هتكت ما بينها وبين الله تعالى”.
فدل على انه لا يحل للمرأة ان تخلع ثيابها في غير بيتها ولو مع امن دخول الرجال ، وذلك ما فهمته عائشة رضي الله عنها وهي راوية الحديث لان الحمامات لا يدخلها الرجال في اوقات النساء ولم تعلل الحكم بخشية اطلاع الرجال وانما بمجرد وضع الثياب ، ومعلوم ان الحكم متعلق بغير بيوت المحارم ايضا ، فبيت المحرم يجوز للمرأة ان تضع من ثيابها ما اجازه الله لها في ايه النور من ابداء مواضع الزينة.
الدليل الرابع : روى أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :” إنها ستفتح لكم أرض العجم وستجدون فيها بيوتا يقال لها الحمامات ، فلا يدخلنها الرجال إلا بالأزر ، وامنعوها النساء إلا مريضة أو نفساء “
فالحديث يرخص للمرأة ان تضع ثيابها بقدر الحاجة للضرورة وهي المرض وللحاجة وهي الاغتسال من النفاس للمشقة الحاصلة في الاغتسال في البيوت القديمة او لعلة اخرى في النفساء
خلاصة المسألة:
- ان المرأة الاصل فيها ان تستر جميع جسدها عن الرجال الاجانب مع الخلاف بين العلماء في موضوع الوجه والكفين.
- انه لا دليل يصح على ان عورة المرأة امام المرأة او امام المحارم هي ما بين السرة الى الركبة ، وان الصحيح الذي يعضده الدليل هو ان عورة المرأة امام النساء المسلمات والمحارم هي جسمها جميعا عدا مواضع الزينة وهي : الوجه والشعر والرقبة مع النحر والساعد والقدمين والساق . واما غير هذه المواطن فيجب سترها ، وتبقى على الاصل ، فلا يصح لبس ثياب تجسد العورة لضيقها او لرقتها امام النساء او امام المحارم فيما عدا مواضع الزينة.
- ان عورة المرأة امام غير المسلمة انها يحتاط فيها اكثر منها بين المسلمات فلو اكتفي بالشعر والساعد وشئ يسير من الساق مع امن نقل الوصف او شهوة او غيره.
- ان حكم اباحة اظهار مواطن الزينة امام المحارم والنساء جاء لحاجة رفع الحرج والمشقة ، وهو مقيد بأمن فتنة وثورة الشهوة وستر الحال عن الاجانب ، فان كان المحرم او المرأة المسلمة ممن ينظر نظرة فيها ريبة او شهوة او قد يدفعه الامر الى ارتكاب فاحشة لا قدر الله او وصف المرأة لمن لا يحل له معرفة اوصافها وجب الاحتجاب دونه ولو كان ابا او ابنا او اخ او اخت او كائنا من كان ، لان درء مفاسد الفتنة مقدم على جلب مصلحة رفع المشقة والحرج
والله تعالى اعلم ، وما كان من صواب فمن الله وحده وما كان من خطا او زلل او نسيان فمني ومن الشيطان والله ورسوله ودين الاسلام منه براء
كتبه الفقير على توفيق ربه وعفوه
امجد علي سعادة
كلية الشريعة – الجامعة الاردنية